الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري تشارك في "المنتدى الدولي لهيئات التقنين" المنظم من طرف المعهد الدولي للتواصل
شارك السيد جمال الدين ناجي، المدير العام للهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، بمعية السيد المهدي لعروسي الادريسي، مدير الدراسات القانونية، يومي 9 و10 أكتوبر ببروكسيل، بدعوة من "المعهد الدولي للاتصالات" (خلية تفكير تجمع منذ 50 سنة مئات الخبراء من كل أصقاع العالم أعضاء كانوا أم شركاء)، في منتدى حول التحديات الراهنة والمستقبلية التي تفرضها التحولات الإعلامية والتكنولوجية على التقنين سواء المتعلق بالمجال السمعي البصري أو بقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية. وذلك على ضوء التقارب الكبير بين هذين القطاعين، باعتبارهما يصوغان مجتمع المعلومات والمعرفة الدولي المعلن عنه خلال مؤتمر القمة العالمي المعني بمجتمع للتواصل والمعرفة 2003-2005.
وقد عرف هذا اللقاء حضور حوالي 80 شخصية وازنة من قطاعات التقنين السمعي البصري والاتصالات وكذا خبراء وباحثين ومتخصصين من أسيا وأمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وأفريقيا (خاصة البلدان الناطقة بالإنجليزية) وأوروبا وأوقيانوسيا. وتمحور هذا اللقاء المنعقد بمقر المعهد البلجيكي للخدمات البريدية والاتصالات السلكية واللاسلكية حول خمسة مواضيع أساسية، أي ما أتت خمسة جلسات عروض ونقاشات اختتمت بورشة عمل خاصة بالسياسات العمومية المتعلقة بالتواصل الشبكي في المدن والسيارات. وتجدر الإشارة إلى أن كل هذه الجلسات وحلقات النقاش تمت باللغة الإنجليزية وسعت إلى تحقيق هدف واحدـ: "من أجل إعادة النظر في أسس سياسات التقنين ومبرراتها". وفي كلمة الافتتاح دعا الأسترالي السيد كريس شابمن، رئيس المعهد الدولي للاتصالات، المشاركون إلى إجراء مراجعة معمقة لمفهوم وممارسة وتقييم العالم الإعلامي وكذا تمعين النظر في التوقعات والتطلعات المستقبلية بهذا الشأن.
"هل نحن بحاجة فعلا إلى إيجاد حل شامل لتقنين التطبيقات وخدمات المحتوى المستقل عن المشغِّل OTT؟ " [تشمل هذه الخدمات شبكات تواصل (وتساب، سكايب، فايبر) علاوة على الخدمات السمعية البصرية (نتفليكس، دييزر، يوتوب)]، "كيف يمكننا بناء الثقة في ظل نظام رقمي في تطور مستمر؟"، "هل هناك مقاربة جديدة للتقنين؟"، "نحو تقنين ديناميكي وتشاركي مع المتعهدين –لصالح تطور الاقتصاد الرقمي"... وقد ترأس السيد ناجي، مدير عام الهيأة العليا، الجلسة الخامسة التي تدور حول التساؤل "ماذا عن التنوع الإعلامي في زمان يعج بالإعلام والاتصال؟"، ولم تفته الفرصة للتأكيد على أن إشكالية التنوع سواء في حقل الإعلام أو في المحتويات تطرح جليا في بلدان الشمال كما في بلدان الجنوب والمعروفة ب "المفتقرة للأخبار " أو تلك التي "لا تحظى بتغطية إعلامية واسعة". ويعزى ذلك إلى أن هذا التنوع يتطلب ركائز أساسية أو دعائم حديثة للديمقراطية التي أضحت مهددة من كل حدب وصوب جراء عودة نشوب صراعات قائمة على الهوية والعرق، بل وحتى الإبادة الجماعية. كما استرسل قائلا أن ذلك يرجع أيضا إلى تمتع عمالقة الاتصالات – الخواص-(غوغل- ابل- فايسبوك -أمازون) بسلطة كونية تتعدى جميع الحدود الجغرافية والحواجز غير المادية، معرضين بذلك للخطر الثقافات بشتى أنواعها، وذاكرات و أرشيف وموروثات الشعوب وكذا الحضارات كانت أغلبية أو أقلية...
وقد تقضي هذه الكيانات الاحتكارية أجلها بفعل تهميش كل ما هو أصلي وحقيقي وإهمال الرواية الحقيقية لتاريخ الأمم والحق في المصادر الأولية (على سبيل المثال حقوق المؤلفين الذين يبدعون وينتجون المضامين)، والتي وصلت أصلا إلى حد تضليل وإفساد وتجفيف القيم الانسانية، التي ما فتئت تكفل مبدأ "العيش سويا" في جو من التسامح والتنوع وتضمن ذلك التواصل الذي يسود فيه الإنصاف والاحترام بين الأشخاص وبين ذاكرتهم وإزاء سلامة الإنسان وكرامته، التي صارت تخضع في يومنا هذا لمذهب المتاجرة الذي تتبناه هذه الشركات العملاقة والقابضة المتشابهة من حيث "بياناتها الضخمة" و"بياناتها الوصفية"...
وخلال هذه الجلسة الخاصة بالتحديات التي تواجه التنوع، قدمت ثلاث مداخلات قيمة من سياقات مختلفة أثرت النقاش: من تايوان، السيدة نيكول تشان، أستاذة جامعية متخصصة في مجال تقارب التجارة الإلكترونية وتقنينها ؛ و من أوروبا، السيدة مادلين دي كوك بونينغ، رئيسة مجموعة المقننين الأوروبيين لخدمات الاتصال السمعي البصري وعضوة بهيئة التقنين الهولندية، ومتخصصة في حقوق التأليف والنشر، ومن جنوب أفريقيا، السيدة بوتلنيانا موخيلي، عضوة بهيئة الاتصالات المستقلة لجنوب إفريقيا، وخبيرة في السياسات العمومية للقطاع السمعي البصري وتقنينه.
والجدير بالذكر أن المعهد الدولي للاتصالات عقد عقب هذا المنتدى الذي دام يومين، اجتماعه السنوي الثامن والأربعين، بتاريخ 11و12 أكتوبر. وقد نظم الاجتماع، الذي حضره السيد جمال الدين ناجي والسيد لعروسي، على شكل حلقات مناقشة وموائد مستديرة، تناولت خصوصا موضوع "التوجهات التي يتيحها التواصل المتقارب وحقائق النظم التواصل العابرة للحدود والبيقطاعية والمشتركة بين الثقافات والرقمية".
كما أبرزت هذه المناقشات الغنية والمثمرة الترابط الوثيق بين إشكاليات التقنين، سواء من حيث المحتوى أو سبل تفعيله، فضلا عن قضايا احترام الحياة الخاصة وحماية البيانات الشخصية، وحماية المستهلكين وضمان المنافسة، وصولا إلى القضايا المتعلقة بالأمن الالكتروني ... جملة من القضايا ينبغي على المقننين اليوم معالجتها في شموليتها كل حسب المهام المنوطة به والصلاحيات المخولة له.