"المنتدى العالمي للديموقراطية" لمجلس أوروبا يضع "الشعبوية على المحك" أمام الإعلام والمواطنين
نظم مجلس أوروبا كما درجت العادة سنويا " المنتدى العالمي للديموقراطية"، بمقره في ستراسبورغ، وذلك من 8 إلى 11 نونبر 2017. وقد تميزت هذه السنة بوضع كافة الحضور مسألة "الشعبوية على المحك"، من مفكرين وخبراء وباحثين ومنتخبين وفاعلين جمعويين، وكذا صناع قرار ومهنيين في مجال الإعلام، فضلا عن سياسيين ومواطنات ومواطنين، مقترحين بذلك أجوبة للتساؤلات التي تطرحها هذه الظاهرة شبه العالمية. وشكلت هذه المناسبة لقرابة 300 مشاركا ومشاركة من العالم بأسره فرصة التطرق إلى موضوع "الخطابات الديماغوجية والوعود الكاذبة والإبلاغ عن النخب والبرامج السياسية فارغة المحتوى"، طيلة أربعة اجتماعات عامة ومائدتين مستديرتين وثلاث عشرة حلقة نقاش ومحادثات تفاعلية. واعتبر منظمو هذا الملتقى أن هذه التعبئة الرامية إلى مكافحة تفشي التيار الشعبوي في المجتمع وتأثيره على الرأي العام، تفرض نفسها بشدة على البلدان الأوروبية وباقي دول العالم، خاصة بعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، حدثان بارزان "أزاحا اللثام عن وقع تطور الممارسات الإعلامية للمواطنين من جهة، والدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في بناء الفكر والرأي من جهة أخرى.
وخلال أربعة أيام من تضارب الأفكار وتوالي العروض في إطار تبادل الخبرات والتجارب، تم الاستشهاد بأمثلة ملموسة لتوضيح "سرعة انتشار المضامين الشعبوية" والظواهر المتعلقة ب"غرف الصدى" أو "فقاعات الترشيح" الناجمة عن خوارزميات شبكات التواصل الاجتماعي، فضلا عن التلاعب بالآراء لأغراض شعبوية محضة وعدم الثقة التي أصبح تطال وسائل الإعلام التقليدية.
وتمت دعوة السيد جمال الدين ناجي، مدير عام الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، بصفته خبيرا ومؤلفا لكتب ودراسات حول وسائل الإعلام وأخلاقياتها، لإلقاء محاضرة حول الموضوع الذي اقترحه منظمو هذا اللقاء، "تقصي الحقائق : طريدة جديرة؟"، حيث قدم السبل الكفيلة بإيجاد حلول لمجابهة الموجة الشعبوية التي تُفقد مهمة وسائل الإعلام النبيلة والأساسية لتحقيق الديمقراطية مشروعيتها وتشوه سمعتها : الحقيقة ... التي تقتضي أولا وقبل كل شيء، الحاجة الملحة إلى تدخل وسائل الإعلام لتغيير نظرة الجمهور والمجتمع والمواطنين والمواطنات لهم كفاعل لا يرتاد إلا على النخبة ولا يتناول سوى الأخبار التي تهم هذه الفئة. كما أكد أنه "ينبغي على وسائل الإعلام ومهنيي المضامين (صحفيين ومسؤولين بالمجال الإعلامي) توجيه قبلتهم للشعب و الاهتمام أكثر فأكثر بحياته اليومية، مع مراعاة سياسية القرب، بدلا من توجيه عدسات الكاميرا باستمرار إلى أحداث ووقائع وأعمال وتدوينات وعبارات ... النخبة". ومن ثم، "يجب على مضامين وسائل الإعلام، التقليدية والحديثة، أن تستثمر في الأخبار والتحقيقات والمعطيات الصحفية في بعدها الجهوي والمحلي". واسترسل قائلا أنه "يمكن على المستوى المحلي أن تنفجر الحقيقة ويتم التحقق منها – احتمال كبير أن يصل المواطن إلى ذلك على هذا المستوى- و أن يتم رفع الستار عن الأخبار الزائفة وعن الإشاعات والتلاعبات والممارسات التي تدعى ب'ما بعد الحقيقة' وفضحها من قبل المواطن العادي، وكذا حليفه الطبيعي والمتمرس في المجال الديمقراطي : نشطاء المجتمع المدني".
وتماشيا مع هذه الرؤية وشروطها الأساسية على المستوى المحلي، أثار السيد ناجي تساؤلات حول الطابع العالمي لقنوات التواصل (على الصعيد المحلي) والوصول إلى المعلومات (خاصة منها المحلية والصعبة المنال والمحظورة!)، فضلا عن الإشكالية الحتمية والمعقدة حول كيفية تمويل وسائل الإعلام ونماذجها الاقتصادية. وفي هذا الصدد، دعى السيد ناجي إلى تدارس الحلول المرتبطة ب"التمويل الجماعي"، والدعم العام المتباين أو الهادف والتعاقدي، وكذا التمويل التشاركي أو من طرف المجتمع المدني...
وختاما، ذكّر مدير عام الهيأة العليا في مداخلته بأهداف هذا المنتدى حول الإعلام في مواجهة الشعبوية، مؤكدا على أن الصراع ضد هذا التيار في منابر الإعلام وفي شبكات التواصل الاجتماعي يتطلب نهجا مشتركا مماثلا "للتحالفات السياسة الوطنية أو الإئتلاف الوطني"، بين وسائل الإعلام (التقليدية والحديثة)، لأن"استمرارية النظام الديمقراطي رهينة لا محالة بطريقة التصدي لمحاولات زعزعة رأي المواطن بخصوص الشأن العام أو يتجاهله أو يبخسه، الذي يعد اهتماما ضروريا لتطور الديمقراطية بقيمها وترسخيها عمليا في الممارسات اليومية للمواطنين والمواطنات، الإعلامية وغيرها.