اطلاع الهاكا على نموذج تدبير وحكامة النظام المعتمد لتقنين القطاع السمعي البصري الكندي وقطاعه العمومي
عقد السيد جمال الدين ناجي، المدير العام للهيأة العليا للاتصال السمعي البصري والسيد رضوان الضريس، مدير الشؤون الإدارية والمالية، يوم 13 من شتنبر 2016 بمقر المؤسسة المسؤولة عن التقنين بأوطاوا، اللجنة الكندية للإذاعة والتلفزيون والاتصالات (CRTC) ، لقاءا، على هامش المؤتمر السنوي الخامس والعشرين للمنظمة العالمية للبث الإذاعي والتلفزي العمومي، مع السيدة دانييل ماي كوكوناتو، الكاتبة العامة للجنة، بمعية أهم مساعديها المكلفين بتدبير الشؤون الإدارية والمالية والموارد البشرية والتقنين و بمديريات أخرى تسهر على حكامة المؤسسة.
تأسست اللجنة الكندية للإذاعة والتلفزيون والاتصالات في فاتح أبريل سنة 1968 كمحكمة إدارية مستقلة، وكانت تضم 500 شخص من كلا الجنسين بشكل منصف ومتكافئ، قبل أن تصبح مسؤولية عن قطاع الاتصالات في فاتح أبريل 1976 بعد تعديل اختصاصاتها، بالإضافة إلى مسؤوليتها المرتبطة بالقطاع السمعي البصري. ويقدر اليوم مجموع العاملين فيها بأكثر من 500 إطار من تقنيين وإداريين.
وأثناء هذا الاجتماع الذي تم خلاله بتبادل الخبرات والأفكار حول مظاهر المتعددة للحكامة والتدبير، قام الطرفان المغربي والكندي بمقارنة النموذجين والوقوف عند نقاط التشابه العديدة بينهما. إلا أن الفرق بين التجربتين يتجلى في كون اللجنة الكندية تحمل على عاتقها مسؤولية تقنين مئات متعهدي السمعي البصري والاتصالات ومؤسسات صناعة الاتصال الرقمي، على مساحة ترابية شاسعة تمتد إلى 10 ملايين كلم مربع (أي ما يعادل 41 بالمائة من مساحة قارة أمريكا الشمالية أو مساحتي الصين وأمريكا مجتمعتان، بساكنة تبلغ 36 مليون نسمة)، كما تنفرد اللجنة بخصائص تميز نظامها وحكامتها وتمويلها.
تمول رسوم الاتصالات ثلثي ميزانية اللجنة الكندية للإذاعة والتلفزيون والاتصالات، بينما تمول المنحة المقدمة من الحكومة الفيدرالية الثلث المتبقي، وتتفاوض اللجنة مع الحكومة على ميزانيتها كل ثلاثة سنوات مع إمكانية تعديلها في كل سنة ضريبية) مع العلم أن السنة الضريبية تبدأ في كندا كل شهر فبراير (. بالنسبة للحكامة، تتضمن اللجنة الكندية للإذاعة والتلفزيون والاتصالات، التي يتزعمها رئيس عُين من قبل الوزير الأول، مجلسا وجهازا تداوليا يمثل 11 مقاطعة (أو ولاية) و3 “جهات مستقلة"، فضلا عن جهاز تنفيذي للإدارة والحكامة يسيره أمين عام يختاره الرئيس الذي يعتبر عضوا في الحكومة.
تجدر الإشارة إلى أن اللجنة الكندية للإذاعة والتلفزيون والاتصالات تلزم، وفقا لقانون خاص اصدر سنة 2014 يسمى "قانون الكندي لمكافحة البريد المزعج"، أو الملوث (LCAP)، بمكافحة الرسائل التجارية "غير المطلوبة وغير المرغوب فيها من طرف المواطنين المتصلين بالإنترنت" )اشهارات، تخفيضات على المنتجات، خدمات أو أشياء أخرى( المرسلة من طرف الشركات التجارية أو المنظمات، وذلك من خلال محاضر ضبط و عقوبات تصدر عن الللجنة ضد المؤسسات المخالفة لهذا القانون. وبناء على ذلك، تفرض اللجنة الكندية للإذاعة والتلفزيون والاتصالات على كل ممارسة تجارية من هذا النوع، السهر على أن يكون هذا النوع من الرسائل مسبوقا بتأمين قبوله مسبقا من طرف المستقبل، وأن تبرز الشركة هويتها، علاوة على أن تتضمن كل رسالة آلية أو نضام يمكن من إلغاءها أو حذفها من طرف المستقبل. ومن أجل احترام دستورية هذا القانون، فإن اللجنة الكندية للإذاعة والتلفزيون والاتصالات تقوم بتتبع صارم احتراما لمبدأ المنافسة المنصفة في مجال التجارة وحقوق المواطن والمستهلك الضرورية في الإشهارات الرقمية.
من جهة أخرى، التقى وفد الهاكا يومي 15 و16 شتنبر، عقب اللقاء الذي جمعه بالمقنن الفيدرالي، بمسؤولي هيئة الإذاعة والتلفزيون الكندية CBC المكلفين بالتدبير الإداري والمالي، وذلك بمونتريال بمقر المؤسسة التي تضم شبكة ناطقة باللغة الانجليزية وشبكة ناطقة بالفرنسية، لأنهما اللغتان الرسميتان في البلاد. ورغم ظهور محطات إذاعية تجارية خاصة منذ 1920 بكندا فإن تأسيس الهيئة العمومية الكندية لم يتم إلا سنة 1936. كما تجدر الإشارة إلى أن الهيئة التي توظف اليوم ما يناهز عشرة ألاف موظف عبر البلاد، قد وضعت سنة 1947 إستراتيجية للتنمية في أفق 15 سنة، وذلك لتهيئ الأرضية الازمة لاستقبال ظهور التلفزة آنذاك.
غير أن الهيئة تواجه اليوم، كما وقع لها في أوائل التسعينيات، تقليصا في ميزانيتها بسبب السياسات العمومية للحكومة الفدرالية التي تخصص لها سنويا ما يقارب مليار دولار كندي، أي ما يعادل 7.4 مليار درهم. وتبعا لذلك، قرر مسؤولو الهيئة أنه في غضون 2020 فصل 20% من الموظفين، أي 1000 إلى 1500 شخص " من اجل التأقلم مع التغييرات الاستهلاكية للجمهور وتطوير وسائل الإعلام الرقمية على الهواتف المحمولة".
وتصدر هيئة الإذاعة الكندية CBC على موقعها الرسمي وعلى وسائل إعلام أخرى، بموجب قانون السمعي البصري، ميزانيتها المالية كل ثلاثة أشهر، كما أنها تنشر الأهداف المحققة التي تم رسمها مسبقا في خطتها الاستراتيجية التي هي بدورها يتم نشرها للعموم كذلك. وبمقتضى القانون نفسه، يتولى إدارة هذه المؤسسة العمومية آليتان: مجلس الإدارة الذي يتكون من 12 عضوا بما فيهم رئيس هذ المجلس والمدير العام للهيئة، و " فرقة الإدارة العليا" يرأسها المدير العام للهيئة، وهي التي تسهر على الحكامة والتدبير الإداري والمالي.
كما تنظم الهيئة سنويا "اجتماعات" مفتوحة لفائدة العموم بهدف التحاور حول المبادرات الكبرى والمشاريع المستقبلية. وهكذا، فقد اختارت الهيئة لاجتماعها العمومي السنوي برسم سنة 2016 (الذي انعقد بمدينة مونكتون أواخر شهر شتنبر، في إطار إستراتيجية متعددة السنوات تحت شعار " فضاء لنا جميعا") محورا موضوعاتيا " كيف يمكن للبث الإذاعي العمومي اغتنام كل الفرص المتاحة في ظل العصر الرقمي " والذي قُدم واقتُرح خلال المناقشات العمومية من لدن مسؤولي هيئة الإذاعة الكندية وخبراء مستقلين.
وصفوة القول، يستفيد هذا القطاع العمومي، منذ سنة 1985، من دعم كبير ومؤثر من طرف منظمة المجتمع المدني "أصدقاء الإذاعة الكندية" المنخرط فيها 000365 مواطن ومواطنة كمتطوعين، كما يعتمد تمويلها على التبرعات الفردية فقط، بالإضافة إلى أنها جمعية كندية فيدرالية لا تنتمي لأي حزب من الأحزاب، كما أنها تعتبر نفسها " حارسا لمصالح المستمعين والمتتبعين، تتدخل للدفاع عن برامجنا وتعزيزها في منظومة الاتصال السمعي البصري". علاوة على أن اللجان البرلمانية عادة ما تستدعى هذه المنظمة، لاسيما أثناء الاجتماعات الدورية حول الميزانية المخصصة للقطاع العمومي السمعي البصري.